JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ فِي مَعَامَلَةِ الْأَسْرَى: دِرَاسَةٌ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ

خط المقالة

 رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ فِي مَعَامَلَةِ الْأَسْرَى: دِرَاسَةٌ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ



الْمُقَدِّمَةُ

تُعَدُّ غَزْوَةُ أَوْطَاسٍ مِنْ أَبْرَزِ الْأَحْدَاثِ الَّتِي أَعْقَبَتْ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ، إِذْ كَانَتْ مَرْحَلَةً حَاسِمَةً فِي تَثْبِيتِ دَعَائِمِ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَظَهَرَ فِيهَا مَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنْ قَضِيَّةِ السَّبَايَا وَالْأَسْرَى فِي أَبْهَى صُوَرِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ.
وَلَقَدْ كَثُرَ الْجَدَلُ فِي عَصْرِنَا حَوْلَ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ أَسْرِ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى اسْتَغَلَّهُ بَعْضُ الْمُغْرِضِينَ لِلطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ، غَافِلِينَ عَنْ طَبِيعَةِ الْحَرْبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَعَنْ النِّظَامِ الْأَخْلَاقِيِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ مُقَارَنَةً بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْعَالَمُ قَبْلَ الْبِعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ.

---
🔹 أَوَّلًا: خَلْفِيَّةُ غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ
بَعْدَ انْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ عَلَى قَبِيلَتَي هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ، فَرَّ الْمُشْرِكُونَ تَارِكِينَ وَرَاءَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ.
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ – كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ كُلِّهَا – أَنَّ الْمُنْتَصِرَ يُؤْسِرُ مَن انْهَزَمَ، رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَمْوَالًا.
 وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ قَانُونٌ دُوَلِيٌّ يُلْزِمُ الْمُحَارِبِينَ بِإِعَادَةِ الْأَسْرَى أَوِ النِّسَاءِ، بَلْ كَانَتْ سُنَّةُ الْحَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ قَاسِيَةً لَا تَعْرِفُ رَحْمَةً.
وَلَكِنَّ الْإِسْلَامَ — كَمَا سَيَتَبَيَّنُ — أَعَادَ صِيَاغَةَ هَذَا النِّظَامِ عَلَى أُسُسِ الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ وَالْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَوَضَعَ ضَوَابِطَ تَحْفَظُ حَقَّ الْمَرْأَةِ الْأَسِيرَةِ، وَتَفْتَحُ أَمَامَهَا بَابَ الْحُرِّيَّةِ وَالْكَرَامَةِ.

---
🔹 ثَانِيًا: مَوْقِفُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ سَبَايَا أَوْطَاسٍ
رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
> «أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبْيٌ مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسٍ، فَكَانَ مِمَّا أُهْدِيَ لَهُ امْرَأَةٌ، فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَلِيٍّ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ كَرِهُوا وَطْءَ السَّبَايَا وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النِّسَاءُ: 24].»


فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ رَفَعَتِ الْحَرَجَ الشَّرْعِيَّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي وَطْءِ السَّبَايَا اللَّوَاتِي أُسِرْنَ بَعْدَ أَنْ وَقَعْنَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الزَّوَاجَ السَّابِقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُعَدُّ مُنْقَطِعًا شَرْعًا بِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ الْحَرْبِيَّةِ.
وَلَكِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجْعَلِ الْأَمْرَ فَوْضَى وَلَا غَرِيزَةً عَمْيَاءَ، بَلْ نَظَّمَهُ بِضَوَابِطَ شَدِيدَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ.

---
🔹 ثَالِثًا: الضَّوَابِطُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مُعَامَلَةِ السَّبَايَا
إِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَأْتِ لِيَسْتَعْبِدَ النِّسَاءَ، بَلْ جَاءَ لِيُنْقِذَهُنَّ مِنْ وَاقِعِ الِاسْتِعْبَادِ الْمُهِينِ إِلَى وَاقِعِ الْكَرَامَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَفِي قِصَّةِ سَبَايَا أَوْطَاسٍ ظَهَرَتْ هَذِهِ الضَّوَابِطُ جَلِيَّةً:
1. تَحْرِيمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفَاحِشَةِ
قَالَ تَعَالَى:
> ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النُّورُ: 33].
فَحَرَّمَ الْإِسْلَامُ أَيَّ عِلَاقَةٍ قَائِمَةٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَجَعَلَهَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

2. وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ الْمُعَاشَرَةِ
فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَبَ الْأَمَةَ (السَّبِيَّةَ) حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَاحِدَةً اسْتِبْرَاءً لِرَحِمِهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:
> «لَا تُوطَأْ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

3. حَقُّ السَّبِيَّةِ فِي الْعِتْقِ وَالزَّوَاجِ
جَعَلَ الْإِسْلَامُ لِلسَّبَايَا بَابًا وَاسِعًا لِلْحُرِّيَّةِ، فَكَمْ مِنْ أَمَةٍ أُعْتِقَتْ وَتَزَوَّجَتْ مِنْ أَسْيَادِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، حَتَّى صِرْنَ أُمَّهَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، مِثْلَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الَّتِي كَانَتْ مِنْ سَبَايَا خَيْبَرَ فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَتَزَوَّجَهَا.

4. إِبْطَالُ النِّظَامِ الِاسْتِرْقَاقِيِّ الْوِرَاثِيِّ
الْإِسْلَامُ هُوَ الدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي جَعَلَ الْعِتْقَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ، وَفَتَحَ كُلَّ سَبِيلٍ لِتَحْرِيرِ الرِّقَابِ؛ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ الْخَطَإِ، وَالْيَمِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِيَكُونَ التَّحْرِيرُ مَقْصِدًا لَا الِاسْتِرْقَاقَ.

---
🔹 رَابِعًا: الْبُعْدُ الْإِنْسَانِيُّ فِي مَعَالَجَةِ الْإِسْلَامِ لِقَضِيَّةِ السَّبَايَا
حِينَ نَقْرَأُ التَّارِيخَ نَجِدُ أَنَّ الْأُمَمَ الْعُظْمَى — كَالرُّومِ وَالْفُرْسِ — كَانَتْ تَتَعَامَلُ مَعَ النِّسَاءِ الْأَسِيرَاتِ بِأَبْشَعِ صُوَرِ الِانْتِهَاكِ، حَتَّى صِرْنَ سِلْعَةً تُبَاعُ وَتُشْتَرَى بِلَا ذِمَّةٍ وَلَا ضَابِطٍ.
أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدِ انْتَقَلَتِ السَّبِيَّةُ إِلَى بَيْتٍ يَحْكُمُهُ شَرْعُ اللَّهِ، تُطْعَمُ وَتُكْسَى وَتُرْحَمُ وَلَا تُهَانُ، وَيُثَابُ السَّيِّدُ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهَا.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
> «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).


فَأَيُّ رَحْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْإِسْلَامُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالسَّبِيَّةِ عَلَاقَةَ إِخَاءٍ وَرَحْمَةٍ وَإِحْسَانٍ؟

---
🔹 خَامِسًا: نِهَايَةُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَكَرَمُ النَّبِيِّ ﷺ
بَعْدَ أَنْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لِلْمُسْلِمِينَ، جَاءَ وَفْدُ هَوَازِنَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مُسْلِمِينَ تَائِبِينَ، وَقَالُوا:
> «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ أَصَابَتْنَا مُصِيبَةٌ مَا أَصَابَ مِثْلَهَا قَوْمٌ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.»


فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
> «اخْتَارُوا بَيْنَ أَمْوَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ.»
فَاخْتَارُوا نِسَاءَهُمْ، فَقَالَ ﷺ:
«مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ»، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْرِمَ هَؤُلَاءِ فَلْيَفْعَلْ.»


فَأَعْتَقَهُمُ الصَّحَابَةُ جَمِيعًا، حَتَّى قَالَ الرَّاوِي:
> «مَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَكْثَرَ عِتْقًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.»


إِنَّهُ يَوْمُ الرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ الْمُحَمَّدِيِّ، يَوْمُ انْتَصَرَتْ فِيهِ الْإِنْسَانِيَّةُ عَلَى شَهْوَةِ الِانْتِقَامِ.

🔹 سَادِسًا: الدُّرُوسُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْفِكْرِيَّةُ مِنْ سَبَايَا أَوْطَاسٍ

1. إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشَرِّعُ الِاسْتِرْقَاقَ وَلَكِنَّهُ نَظَّمَهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ تَدْرِيجِيًّا.
فَفِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ كَانَ الِاسْتِرْقَاقُ نِظَامًا عَالَمِيًّا لَا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ فِي لَحْظَةٍ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ فَوَضَعَ لَهُ أُسُسًا تُؤَدِّي بِمُرُورِ الزَّمَانِ إِلَى تَجْفِيفِ مَنَابِعِهِ. فَفَرَضَ الْعِتْقَ كَفَّارَةً لِعِدَّةِ الذُّنُوبِ، وَحَثَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.

2. الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تُبْنَى عَلَى الْوَاقِعِ، لَا عَلَى الْمُثُلِ الْخَيَالِيَّةِ.
فَالنَّبِيُّ ﷺ تَعَامَلَ مَعَ الْوَاقِعِ الْحَرْبِيِّ بِعَقْلَانِيَّةٍ وَرَحْمَةٍ، فَلَمْ يَأْتِ بِأَحْكَامٍ تَصْطَدِمُ بِالنُّظُمِ الْعَالَمِيَّةِ آنَذَاكَ، بَلْ أَصْلَحَهَا وَقَيَّمَهَا حَتَّى صَارَ الْإِسْلَامُ أَرْقَى نِظَامٍ أَخْلَاقِيٍّ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْأَسْرَى.

3. الْمَرْأَةُ فِي الْإِسْلَامِ مَكْرَّمَةٌ حَتَّى فِي حَالَةِ الْأَسْرِ.
لَمْ يَجْعَلِ الْإِسْلَامُ السَّبِيَّةَ أَدَاةً لِلْإِذْلَالِ، بَلْ حَفِظَ لَهَا كَرَامَتَهَا، وَجَعَلَ لَهَا حَقًّا فِي الْعِتْقِ وَالزَّوَاجِ وَالْمَعَاشِ الرَّحِيمِ.

4. الرَّحْمَةُ النَّبَوِيَّةُ كَانَتْ عَامَّةً لِلْأَعْدَاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ.
فَحِينَ تَأَمَّلْنَا مَوْقِفَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَفْدِ هَوَازِنَ، رَأَيْنَا أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ دُونَ مَنٍّ أَوْ مُقَابِلٍ، وَحَرَّكَ فِي أَصْحَابِهِ مَشَاعِرَ الرَّحْمَةِ، فَأَعْتَقُوا جَمِيعَ السَّبَايَا، فَصَارَ يَوْمُ أَوْطَاسٍ يَوْمًا لِلرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ فِي التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ.

5. الْإِسْلَامُ يُرَبِّي أَتْبَاعَهُ عَلَى الْقِيمِ حَتَّى فِي مَجَالِ الْقُوَّةِ.
فَلَمْ يَكُنِ الْجِهَادُ فِي الْإِسْلَامِ سَعْيًا لِلسَّيْطَرَةِ أَوِ النَّهْبِ، بَلْ كَانَ وَسِيلَةً لِرَفْعِ الظُّلْمِ وَنَشْرِ الْحَقِّ، وَالدَّلِيلُ أَنَّ كُلَّ غَزْوَاتِ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَتْ بِالْعَفْوِ وَالسَّمَاحِ.

---
🔹 سَابِعًا: الْبُعْدُ الْحَضَارِيُّ فِي مَوْقِفِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَسْرَى ،
إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي مَعَامَلَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِلْأَسْرَى يَلْمَسُ تَفَوُّقًا حَضَارِيًّا وَإِنْسَانِيًّا عَلَى سَائِرِ النُّظُمِ الْقَدِيمَةِ.
فَفِي حِينٔ كَانَ الرُّومُ وَالْفُرْسُ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى أَوْ يُعَذِّبُونَهُمْ، جَاءَ الْإِسْلَامُ بِالْقَوْلِ الْعَزِيزِ:
> ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [مُحَمَّدٌ: 4].


فَخَيَّرَ الْإِمَامَ الْمُسْلِمَ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْفِدَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْقَتْلَ خِيَارًا أَوَّلِيًّا.
 وَهَذِهِ الرُّوحُ الرَّحِيمَةُ بَدَتْ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ مِنْ مَوَاقِفِ النَّبِيِّ ﷺ.

---
🔹 ثَامِنًا: دَلَالَةُ قِصَّةِ أَوْطَاسٍ عَلَى سُمُوِّ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
قِصَّةُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ تُثْبِتُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ نِظَامٌ مُتَكَامِلٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، فَهِيَ لَا تُشَرِّعُ الظُّلْمَ، بَلْ تُقَنِّنُ الْوَاقِعَ لِتُصْلِحَهُ.
وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
> ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءُ: 107].


فَكُلُّ مَا فِي شَرْعِ النَّبِيِّ ﷺ — حَتَّى فِي الْحَرْبِ — يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ.

---
🔹 الْخَاتِمَةُ
إِنَّ مَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ لَيْسَ صَفْحَةً مُظْلِمَةً كَمَا يَدَّعِي أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ، بَلْ هُوَ شَاهِدٌ بَاهِرٌ عَلَى عَدْلِ الشَّرِيعَةِ وَرَحْمَتِهَا.
فَالنَّبِيُّ ﷺ أَظْهَرَ لِلْبَشَرِيَّةِ كَيْفَ تَكُونُ الْقُوَّةُ مَقْرُونَةً بِالْحِلْمِ، وَكَيْفَ يَكُونُ النَّصْرُ مُمْتَزِجًا بِالرَّحْمَةِ.
وَهَكَذَا بَقِيَتْ قِصَّةُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ نَمُوذَجًا فَرِيدًا فِي التَّارِيخِ لِأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ وَرِسَالَتِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْعَالِيَةِ، دِينًا لَا يَسْعَى لِلسَّيْطَرَةِ، بَلْ لِهَدْيِ الْقُلُوبِ وَنَشْرِ النُّورِ وَالْحَقِّ فِي الْأَرْضِ.
> ﴿إِنَّ 
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النَّحْلِ: 90].

Comments
No comments

    NameEmailMessage