صادرات الجزائر إلى إسرائيل: بين الخطاب الرسمي وواقع الأرقام
مقدمة
منذ سنوات، تؤكد الجزائر رسميًا رفضها لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، معتبرة ذلك موقفًا مبدئيًا منسجمًا مع دعمها الثابت للقضية الفلسطينية. غير أن بيانات تجارية حديثة صادرة عن الأمم المتحدة كشفت عن وجود مسار آخر بعيدًا عن التصريحات الرسمية، يتمثل في تعاملات اقتصادية ملموسة بين الطرفين، أثارت جدلاً واسعًا تحت عنوان "تطبيع في الخفاء".
---
حجم الصادرات الجزائرية إلى إسرائيل
وفقًا لقاعدة بيانات COMTRADE التابعة للأمم المتحدة، بلغ إجمالي واردات إسرائيل من الجزائر خلال سنة 2024 ما يزيد عن 32 مليون دولار أمريكي.
هذه القيمة تُظهر ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بسنة 2020، حيث لم تتجاوز الصادرات الجزائرية إلى إسرائيل حينها 9.7 ملايين دولار.
الجزائر بذلك احتلت المرتبة الرابعة عربيًا من حيث الصادرات إلى إسرائيل، بعد الإمارات، الأردن، ومصر.
---
طبيعة السلع المصدَّرة
المعطيات تشير إلى أن الصادرات الجزائرية لم تكن في شكل سلع استهلاكية مباشرة، بل تركزت في مواد أساسية تستخدم في الصناعة والبحث العلمي، مثل:
الكيميائيات غير العضوية.
مركبات المعادن الثمينة.
النظائر الكيميائية.
الهيدروجين وبعض مشتقاته.
هذه السلع عادة ما تُستخدم في الصناعات التكنولوجية والطاقة، ما يطرح تساؤلات حول كيفية دخولها ضمن مسارات التجارة رغم الموقف السياسي المعلن.
---
مفارقة بين الخطاب والواقع
على المستوى الرسمي، الجزائر تُعلن في المحافل الدولية رفضها القاطع لأي علاقات مع إسرائيل.
في المقابل، تكشف البيانات التجارية الأممية أن هناك تدفقات مالية وتجارية فعلية.
بعض المحللين يصفون الأمر بـ "التطبيع الاقتصادي غير المعلن"، فيما يعتبره آخرون مجرد حركة تجارية عابرة تتم عبر وسطاء أو دول ثالثة.
---
التبريرات والتفسيرات المحتملة
1. التجارة عبر وسطاء: من المحتمل أن تمر هذه السلع عبر دول أخرى قبل وصولها إلى إسرائيل، وهو ما قد يفسر التناقض بين الخطاب الرسمي والأرقام.
2. غياب التصريحات الرسمية: حتى الآن، لم يصدر عن الحكومة الجزائرية أي رد أو توضيح رسمي بشأن هذه البيانات، مما يعمّق الغموض.
3. تعارض السياسة والاقتصاد: قد يعكس هذا الواقع أن السياسة الخارجية المعلنة لا تمنع أحيانًا من تداخل المصالح الاقتصادية عبر قنوات معقدة.
---
ردود الفعل والجدل العام
داخليًا، هذه الأرقام أثارت استغرابًا كبيرًا لدى المتابعين، خاصة أن الجزائر تقدم نفسها كأحد أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية.
إعلاميًا، وُصف الأمر بأنه "تطبيع في الخفاء" يضرب في العمق مصداقية الشعارات السياسية المعلنة.
خارجيًا، يرى محللون أن هذه المفارقة ليست جديدة في المنطقة العربية، إذ توجد دول أخرى تجمعها علاقات تجارية غير مباشرة مع إسرائيل رغم غياب الاعتراف السياسي.
---
خاتمة
تظل صادرات الجزائر إلى إسرائيل ملفًا مثيرًا للجدل، لأنه يضع الجزائر أمام معادلة معقدة: بين خطاب سياسي رافض للتطبيع، وواقع اقتصادي يكشف عن تعاملات ملموسة. وإلى أن تصدر توضيحات رسمية حول طبيعة هذه الصادرات ومساراتها، سيبقى التساؤل مطروحًا: هل هي تجارة عبر وسطاء عابرة، أم مؤشر على علاقات اقتصادية أعمق مما يُعلن؟