JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Home

حدود حرية التعبير

خط المقالة

 حدود حرّيّة التّعبير





تُعَدّ حرّيّة التّعبير من أبرز الحقوق الأساسيّة التي تَضمنها الدّساتير والمواثيق الدّوليّة، وهي الركيزة التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي حديث. فالتعبير عن الرأي هو الوسيلة التي يُفصح بها الإنسان عن أفكاره، ويُشارك بها في صناعة القرار، ويُمارس من خلالها دوره في المجتمع. لكن هذه الحرية، شأنها شأن غيرها من الحريات، ليست مطلقة، بل تظل مرتبطة بجملة من الضوابط والحدود التي تحمي الأفراد والمجتمعات من الفوضى والتجاوزات.

---
أوّلاً: ماهيّة حرّيّة التّعبير
حرّيّة التّعبير تعني تمكين الإنسان من الإفصاح عن أفكاره، ونشر آرائه بالقول أو الكتابة أو أي وسيلة أخرى، دون خوف من قمع أو تمييز. وهي تشمل حرية الإعلام، وحرية الصحافة، وحرية النقد، وحرية المشاركة في النقاش العام. وقد نصّت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ "لكلّ شخص الحق في حرية الرأي والتعبير"، وهو ما جعل هذه القيمة جزءًا من القوانين والأنظمة في أغلب دول العالم.

---
ثانياً: أهميّة حرّيّة التّعبير
1. التعبير عن الذات: يَجد الفرد في حرّيّة التّعبير مجالاً للتعبير عن ذاته وأفكاره ومعتقداته.

2. المساءلة والشفافية: تمكّن الشعوب من مراقبة السلطات، وكشف الفساد، والدّفاع عن المصلحة العامّة.

3. التنوّع الفكري والثقافي: تُسهم في إغناء الفكر الإنساني وتبادل الآراء بين مختلف التوجّهات.

4. تحقيق العدالة: من دون حرّيّة التّعبير، يصعب الحديث عن قضاء عادل أو مجتمع منصف.



---
ثالثاً: حدود حرّيّة التّعبير
رغم أهميّتها، فإن حرّيّة التّعبير ليست مطلقة، بل تخضع لقيود ضرورية لضمان عدم المساس بحقوق الآخرين أو تهديد السّلم الاجتماعي. وأبرز هذه الحدود:
1. عدم المساس بكرامة الآخرين: لا يجوز أن تتحوّل حرّيّة التّعبير إلى وسيلة للسبّ، أو الشّتم، أو التّشهير.

2. حماية الأمن القومي: يُمنع استخدام التعبير لنشر معلومات تُهدّد استقرار الدولة أو تُعرضها للخطر.

3. منع خطاب الكراهية والعنصرية: القوانين تُجرّم التّعبير الذي يُحرض على الكراهية أو العنف ضد جماعة بسبب دينها أو عِرقها أو لونها.

4. حماية النظام العام: لا يُسمح باستخدام حرية التعبير لإثارة الفوضى أو الدعوة إلى ارتكاب الجرائم.

5. القيود الأخلاقية والدينية: في بعض المجتمعات، تُعتبر الإساءة إلى المقدّسات أو القيم الأخلاقية خروجًا عن حدود الحرية المقبولة.



---
رابعاً: التوازن بين الحرية والضوابط
التحدّي الحقيقي يكمن في إيجاد التوازن بين تمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم بحرية، وبين حماية المجتمع من التطرّف والفوضى. فالمبالغة في فرض القيود تُحوّل الحرية إلى مجرّد شعار فارغ، بينما تركها بلا حدود يُعرّض المجتمع للتفكّك.
ولهذا تسعى الدول الحديثة إلى وضع تشريعات واضحة تُحدّد نطاق حرية التعبير، وتُبيّن الحالات التي يُسمح فيها بتقييدها، على أن يكون هذا التقييد ضرورياً، ومحدوداً، ومتوافقاً مع مبادئ حقوق الإنسان.

---
خامساً: حرّيّة التّعبير في العصر الرّقمي
مع تطوّر وسائل التّواصل الاجتماعي، أصبحت حرّيّة التّعبير أكثر انتشاراً وسرعة. لكنّها في الوقت ذاته واجهت تحدّيات جديدة، مثل:
الأخبار الكاذبة والمضلِّلة.
خطابات الكراهية المنتشرة عبر المنصات الرقمية.
انتهاك الخصوصية والتشهير الإلكتروني.

وهذا يفرض مسؤولية على الأفراد والحكومات معاً لضبط استخدام هذه الوسائل دون خنق الحرية.

---
خاتمة
حرّيّة التّعبير حق أساسي لا غنى عنه لبناء مجتمع عادل وشفّاف، لكنّها ليست مطلقة. إنّها حريّة مقيدة بواجب احترام حقوق الآخرين، وصيانة الأمن العام، والمحافظة على كرامة الإنسان. والتحدي الأكبر أمام المجتمعات اليوم هو كيفيّة تحقيق التوازن بين الحرية والضوابط، بحيث تبقى الكلمة الحرّة منارة للتقدّم، لا وسيلة للهدم والفوضى.

Comments
No comments

    NameEmailMessage