JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

كيف تكون منافقا!؟

خط المقالة
 كيف تكون منافقًا


الفصل الأول: البذرة الأولى
يقولون إنَّ النفاق ليس خُلقًا يولد مع الإنسان، بل هو مهارة يتعلّمها مثلما يتعلّم القراءة والكتابة. وأنا، سالم بن فاضل، لم أكن أعرف أنّ حياتي ستأخذ منعطفًا غريبًا عندما قررت أن أجرّب هذه المهارة.
كنتُ شابًا عاديًا، أعيش في مدينة مزدحمة لا تُقيم وزنًا للصدق إلا على رفوف الكتب. في الشارع، كان الكذب عملة متداولة، وفي السوق، كانت الابتسامة الواسعة لا تعني سوى محاولة استدراجك إلى صفقة خاسرة. لكنني كنت بريئًا أكثر من اللازم.
 كنت أظن أن الناس يقدّرون الصدق ويكرهون الكذب.
حتى جاء يومٌ قال لي فيه صديقي القديم عادل:
ـ "يا سالم، لو أردت أن تنجح في هذه الحياة، عليك أن تتقن النفاق. الصدق لا يُطعم خبزًا."
ضحكت في وجهه، وقلت بثقة غبيّة:
ـ "أنا لا أبيع ضميري من أجل حفنة من المال أو منصب."
ابتسم عادل ابتسامة ساخرة، تلك التي تشبه ابتسامة القط حين يراقب فأرًا غافلًا، ثم قال:
ـ "ستأتيك اللحظة التي تفهم فيها أن الصدق ترف لا يقدر عليه إلا الأغنياء أو الفاشلون."
ومنذ تلك الليلة بدأت الفكرة تنمو في داخلي. هل يمكن أن يكون النفاق فنًّا؟ وهل أستطيع أن أتعلمه مثلما يتعلم الرسام ضربات الفرشاة؟

---
الفصل الثاني: دروس عادل
قرر عادل أن يأخذني تحت جناحه، كأستاذ يصنع من تلميذه نسخة مشوهة منه. جلسنا ذات مساء في مقهى شعبي، وقال لي:
ـ "الدرس الأول: لا تقل أبدًا ما تفكر فيه، بل ما يرضي الآخر. اجعل كلماتك مرآة لخيالاتهم، لا لصدقك."
سألته بدهشة:
ـ "لكن ألن يكتشفوا أنني أتملقهم؟"
رد بثقة:
ـ "على العكس، سيظنونك أعظم صديق عرفوه."
وهكذا بدأت التجارب الصغيرة: مجاملة النادل في المقهى، مدح المدرس حتى عندما يخطئ، التظاهر بالاتفاق مع كل فكرة في المجالس. كنت أشعر أنني أرتدي قناعًا ضيقًا يخنقني، لكن في الوقت ذاته كنت أرى النتائج: الناس يبتسمون لي أكثر، يفتحون لي الأبواب، يقدّمون لي الفرص.
في إحدى الليالي قال لي عادل:
ـ "الدرس الثاني: اجعل وجهك كتابًا مفتوحًا لا يكشف شيئًا. تعلم الابتسامة المحايدة، تلك التي لا تفهم منها إن كنتَ تحب أو تكره."
فوقفت أمام المرآة أيامًا أتدرّب على هذه الابتسامة، حتى صارت جزءًا مني. ابتسامة زائفة، لكنها فعّالة.

---
الفصل الثالث: الصعود
بدأتُ أرتقي بسرعة مذهلة. 
في عملي الصغير كمساعد إداري، كنتُ الرجل الذي يرضي الجميع. 
أُثني على المدير حين يوبّخنا، وأشيد بزملائي حتى وإن أخطأوا، وأتظاهر بالولاء لكل من يملك ذرة سلطة.
لم يمض وقت طويل حتى رُقّيت. 
زملائي لم يفهموا السر، لكنني كنت أعرف. لقد اكتشفت الوصفة السحرية: الناس لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن انعكاسٍ جميل لأنفسهم.
ذات يوم عدت إلى البيت ومعي مرتب إضافي وهدايا، فقالت أمي ببراءة:
ـ "ما شاء الله يا بني، هل اجتهدت أكثر في عملك؟"
كدت أضحك، لكنني اكتفيت بقول:
ـ "نعم يا أمي… الاجتهاد."
ومن تلك الليلة عرفت أن الكلمة الجديدة في قاموسي لم تعد "الصدق" بل "الاجتهاد في التمثيل."

---
الفصل الرابع: الوجه الآخر
لكن النفاق ليس طريقًا بلا مطبّات. ففي داخلي، كانت هناك حرب مشتعلة.
 أحيانًا أنظر في المرآة ولا أرى سوى رجل غريب، يرتدي قناعًا من الأكاذيب.
كنت أذهب إلى النوم وأسمع صوتًا في داخلي يصرخ:
ـ "إلى متى ستخدع نفسك قبل أن تخدع الآخرين؟"
لكنني كنت أخنق ذلك الصوت بأحلام المال والمناصب.
في تلك الفترة، وقعت في حب فتاة اسمها ليلى. 
كانت طاهرة، صادقة، تؤمن بالحب الحقيقي. 
لكنها لم تفهم يومًا لماذا أتحدث بوجه وأفكر بوجه آخر.
 سألتني مرة:
ـ "سالم، لماذا تمدح من تكره؟ لماذا تضحك مع من يسخرون منك؟"
لم أجبها. فقط ابتسمت بتلك الابتسامة المحايدة التي تعلمتها من عادل. 
عندها أدركت ليلى أنني صرت غريبًا عنها، فتركتني بلا كلمة وداع.
خسرت الحب، لكنني لم أتوقف. لأنني كنت قد أدمنت النفاق مثل مدمن المخدرات.

---
الفصل الخامس: امتحان السلطة
جاء اليوم الذي وصلت فيه إلى منصب كبير. صرت مديرًا تنحني له الرؤوس. 
لم أصل بقدرات خارقة، بل بفنٍّ اسمه "كيف تكون منافقًا".
كان الموظفون يتملقونني كما كنت أفعل مع مديري السابق. 
كنت أرى نفسي فيهم. كلهم نسخ مشوّهة عن سالم القديم. وكنت أضحك في داخلي: لقد صرت معلّم النفاق بعد أن كنت تلميذه.
لكن السلطة امتحان خطير. 
كل كلمة زائفة تُقال لك تضعك في قفص من الوهم.
 لم يعد أحد يقول لي الحقيقة.
 إذا أخطأت، مدحوني. إذا ظَلَمت، شكروني. إذا سقطت، حملوني على أكتافهم.
في البداية أعجبني الأمر، لكن بمرور الوقت بدأت أشعر أنني أعيش في مسرحية لا تنتهي. حتى أمي لم تعد تصدق أنني "مجتهد". قالت لي يومًا بعينين دامعتين:
ـ "يا بني، أشعر أنني فقدتك… لم تعد سالم الذي أعرفه."
لكنني كنت قد قطعت شوطًا بعيدًا في النفاق، ولم أستطع العودة.

---
الفصل السادس: المرآة المكسورة
في ليلةٍ مظلمة، بعد حفلة تكريم صاخبة مليئة بالتصفيق الزائف، عدتُ إلى بيتي وحيدًا. دخلت الحمام، ونظرت إلى المرآة.
 لكنني لم أرَ وجهي.
رأيت أقنعة كثيرة تتراكم فوق بعضها: ابتسامة المدير، انحناءة الموظف، مديح السوق، كذب المجالس… كل الأقنعة تسقط واحدًا تلو الآخر، حتى وجدت نفسي وجهًا بلا ملامح.
صرخت:
ـ "من أنا؟!"
لكن لم يجبني أحد.
عندها تذكرت كلمات عادل يوم قال:
ـ "الصدق ترف لا يقدر عليه إلا الأغنياء أو الفاشلون."
وأدركت أنني اخترت طريقًا جعلني غنيًا في المال، فقيرًا في الروح.

---
الفصل السابع: النهاية… أم البداية؟
الآن، وأنا أكتب هذه السطور، لست متأكدًا إن كنتُ بطل القصة أم ضحيتها. 
تعلمت كل فنون النفاق:
أن تبتسم وأنت تكره.
أن تمدح وأنت تحقد.
أن تصمت وأنت تغلي.
أن تخون نفسك لتُرضي الآخرين.

لكنني أيضًا تعلمت أن النفاق مثل البحر المالح: كلما شربت منه زاد عطشك.
ربما تسألني الآن: هل أنصحك بأن تكون منافقًا؟
جوابي بسيط: إذا أردت أن تكسب الدنيا، افعل. وإذا أردت أن تكسب نفسك، فاهرب من النفاق كما ت
هرب من النار.
لأنني أنا، سالم بن فاضل، صرت مثالًا حيًا على السؤال الأزلي:
كيف تكون منافقًا؟
والجواب: بأن تخسر نفسك لتربح الآخرين.
تعليقات
ليست هناك تعليقات

    الاسمبريد إلكترونيرسالة