الدُّعَاءُ بَعدَ السَّلامِ مِنَ الصَّلاةِ عِندَ السَّادَةِ المَالِكِيَّةِ.
الحَمدُ للهِ الَّذي شَرَعَ العِبادَةَ وَقَرَّبَ العَبدَ إلى رَبِّهِ بِالأَذكَارِ وَالأَدعِيَةِ، وَأشهَدُ أن لا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَه، وَأشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ، صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمَ تَسليماً.
أوَّلًا: مَوضِعُ الدُّعاءِ عِندَ المالِكِيَّةِ
أَجمَعَ فُقَهاءُ المالِكِيَّةِ على أنَّ مَوضِعَ الدُّعاءِ المَسنونِ في الصَّلاةِ إنَّما هُو قَبلَ السَّلامِ، أي بَعدَ التَّشهُّدِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبيِّ ﷺ.
قالَ الإِمامُ خليل بن إسحاق الجندي (ت 776هـ) في "مختصره":
«وَدُعاءٌ قَبلَ السَّلامِ».
وشَرَحَهُ الإِمامُ الدَّردير (ت 1201هـ) في الشرح الكبير قائِلًا:
«وَالمَطلُوبُ بَعدَ التَّشهُّدِ الأَخيرِ الدُّعاءُ قَبلَ السَّلامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الإِجابَةِ، لِقَولِهِ ﷺ لابنِ مَسعودٍ: ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيهِ فَيَدعُو.»
إذَن، فَالدُّعاءُ في المَذهبِ المالِكِيِّ مَوضِعُهُ المأثورُ قَبلَ السَّلامِ.
ثانِيًا: الأَذكَارُ بَعدَ السَّلامِ
أمَّا بَعدَ السَّلامِ، فالمشروعُ عِندَ المالِكِيَّةِ هو الانشغالُ بالأذكارِ الوارِدَة لا الدُّعاء.
قالَ الإِمامُ الخرشي (ت 1101هـ) في شرحه على مختصر خليل:
«وَيُندَبُ بَعدَ السَّلامِ الذِّكرُ مِنَ الاستغفارِ، وقَولُ: اللَّهُمَّ أنتَ السَّلامُ وَمِنكَ السَّلامُ، ثُمَّ التَّسبيحُ وَالتَّحميدُ وَالتَّكبيرُ ثلاثًا وثلاثينَ، وَخَتمُ ذَلِكَ بلا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ…».
وهَذَا مُوافِقٌ لِما وَرَدَ في صحيح مسلم مِن حديثِ ثَوبانَ رضي اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ إِذا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ استَغفَرَ ثَلاثًا وَقال: «اللَّهُمَّ أَنتَ السَّلامُ وَمِنكَ السَّلامُ تَبارَكتَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكرام».
ثالِثًا: حُكمُ الدُّعاءِ بَعدَ السَّلامِ
مِن هُنا صَرَّحَ العُلَماءُ المالِكِيَّةُ أنَّه لَيسَ مِنَ السُّنَّةِ المُستَمِرَّةِ أَن يُجعَلَ بَعدَ السَّلامِ مَوضِعًا للدُّعاءِ، بَل هو مَوضِعُ الأَذكَارِ.
قالَ الدَّردير في الشرح الكبير:
«المَطلُوبُ بَعدَ السَّلامِ الذِّكرُ لا الدُّعاءُ، فَإِنَّ الدُّعاءَ مَحلُّهُ قَبلَ السَّلامِ».
وقالَ الحَطَّاب (ت 954هـ) في مواهب الجليل:
«الدُّعاءُ بَعدَ السَّلامِ لَيسَ مِن السُّنَّةِ الراتِبَةِ، وإنَّما المشروعُ بَعدَهُ الذِّكرُ».
ومَعَ ذَلِكَ، فَقد نَصَّ المالِكِيَّةُ على أنَّه لا بَأسَ بالدُّعاءِ أحيانًا بَعدَ السَّلامِ، لكن دونَ الِاعتيادِ عَلَيهِ أو جَعلِهِ سُنَّةً راتِبَة.
رابعًا: التَّوجِيهُ العَمَليُّ لِلمُصَلِّي
يَجعَلُ دُعاءَهُ في آخِرِ الصَّلاةِ قَبلَ السَّلامِ، وَيُكثِرُ مِنهُ.
يَلتَزِمُ بَعدَ السَّلامِ بِالأذكارِ المأثورَةِ (التَّسبيح، التَّحميد، التَّكبير، الاستغفار...).
إن دَعا بَعدَ السَّلامِ أحيانًا، فَلا حَرَج، لكن لا يُداوِمُ عَلَيهِ على وَجهِ الِاضطِراد.
الخُلاصَة
السُّنَّةُ عِندَ المالِكِيَّةِ أنَّ الدُّعاءَ مَوضِعُهُ قَبلَ السَّلامِ.
بَعدَ السَّلامِ يُشرَعُ الذِّكرُ لا الدُّعاءُ.
الدُّعاءُ بَعدَ السَّلامِ جائِزٌ أحيانًا، لكن لا يُجعَلُ عادةً أو سُنَّةً راتِبَة.