JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الفصل الخامس: المؤسسات الاجتماعية

خط المقالة
 الفصل الخامس: المؤسسات الاجتماعية


١- الأُسْرَة
تُعَدُّ الأُسْرَةُ اللَّبِنَةَ الأُولَى في بِنَاءِ المُجتَمَع، فهي الحاضِنُ الطَّبيعيُّ للفرد منذُ وِلادَتِه. وفيها يَتَعَلَّمُ الأَطْفَالُ اللُّغَةَ، وقِيَمَ الاحترام، وأُسُسَ التَّعَاوُن. وقد أشارَ عُلَماءُ الاجتماع – مثل "إِيمِيل دُورْكِهَايْم" (Émile Durkheim) – إلى أنَّ الأُسْرَةَ تَقُومُ بدَورٍ لا يَقْتَصِرُ على الرِّعَايَة البيولوجية، بل يَتَعَدَّاهُ إلى الغَرْسِ الثَّقَافِي والأَخْلاقي، وهو ما يُمَيِّزُ الإنسانَ عن سائرِ المخلوقات.
٢- التَّرْبِيَة والتَّعْلِيم
يُعَدُّ التَّعْلِيمُ مُؤَسَّسَةً اجتماعيةً مِحْوَرِيَّة، إذ يَضَعُ على عَاتِقِهِ نَقْلَ المَعَارِفِ مِن جِيلٍ إلى آخَر، وصَنْعَ المُوَاطِنِ القَادِرِ على الِانْخِرَاطِ في الحَيَاةِ العامَّة. وتَتَنَوَّعُ أنْظِمَةُ التَّعْلِيمِ بَيْنَ مَا هُو تَقْلِيدِيٍّ ومَا هُو حَدِيث. فَفي التَّجْرِبَة اليابانِيَّة – على سَبِيل المِثَال – يُعْرَفُ عن نظامهم التربوي تركيزُه على القِيمِ الجماعيَّة والانْضِبَاط (كما أشار الباحِث "يُوكِيو نُونَاكَا" Yukio Nonaka)، بينما يَميلُ النِّظَامُ الغَرْبِيُّ إلى تَغْلِيبِ حُرِّيَّةِ الفَرْدِ والإِبْدَاع.
٣- الدِّين
يَأْتِي الدِّينُ كمُؤَسَّسَةٍ ذاتِ وَقْعٍ عَميقٍ في الحَيَاةِ الاجتماعيَّة. فَهُوَ يَمُدُّ الإنسانَ بِمَعْنًى لِوُجُودِهِ، ويُقَدِّمُ أُطُرًا أَخْلاقيَّةً لِسُلُوكِهِ. وقد أَشَارَ المُفَكِّر الألماني "مَاكْس فِيبَر" (Max Weber) إلى أنَّ المُعْتَقَدات الدِّينِيَّة لَعِبَت دَوْرًا حَاسِمًا في تَشْكِيلِ النُّظُم الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة. فَفِيهَا تُصَاغُ قِيَمُ العَدَالَةِ، والتَّضَامُن، وحُسْنِ الجِوَار، وَهِيَ قِيَمٌ لا يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَيُّ مُجتَمَعٍ.
٤- الاقتصاد والسِّياسة
الاقتصادُ هو شِرْيَانُ الحَيَاةِ الاجتماعيَّة، إذ يُلَبِّي حَاجَاتِ الأَفْرَاد، ويُنَظِّمُ إِنْتَاجَ المَوَادِّ والخَدَمَات. أمَّا السِّياسةُ فهي الإطَارُ الذي تُدارُ في داخِلِهِ شُؤونُ السُّلْطَةِ والتَّوْزِيعِ العَادِلِ للمَوَارِد. وَمِنَ المَعْرُوفِ أنَّ أَيَّ خَلَلٍ في مُؤَسَّسَة الاقتصاد أو السياسة يَنْعَكِسُ مُبَاشَرَةً على بقيَّة المُؤَسَّسَات. ولِذَلِكَ رَأى الفيلسوف البريطاني "تُومَاس هُوبْز" (Thomas Hobbes) أنَّ تَنظِيمَ السُّلطة أمرٌ لا غِنَى عنه لِضَمانِ الأَمْنِ والسَّلام الاجتماعي.
١- الأُسْرَة في المجتمع العربي والإسلامي
في مجتمعاتنا العربية، للأُسْرَة مكانةٌ محوريَّة. فهي ليست مجرَّد وحدة بيولوجية تُؤمِّن المأكل والملبس، بل هي حاضنة للقِيَم الدِّينية والاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، في القُرَى المغربية والمصرية لا يزال "بيت العائلة" قائمًا، حيث يَجْتَمِعُ الأبناء والبنات في المناسبات الكبرى كالأعياد والأعراس. هذا النَّسَق الأسري يُرسِّخ التضامن والتكافل.
كما أن القرآن الكريم أعطى للأُسْرَة منزلة عظيمة، قال تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: 8].
فالإحسان إلى الوالدين والتراحم بين الإخوة لا تُعَدُّ قيماً ثانوية، بل هي رُكائز حياة المسلمين.
٢- التربية والتعليم في الواقع العربي
نَجِدُ أنَّ التَّعليم في العالم العربي قد مرَّ بتحوُّلات مهمَّة. ففي بداية القرن العشرين، كان التعليم التقليدي في الكتاتيب حيث يتعلم الأطفال القرآن والخط والحساب. ومع تأسيس الجامعات الحديثة مثل جامعة القَرَاوِيِّين في فاس بالمغرب، التي تُعَدّ أقدم جامعة في العالم، والأزهر الشريف في القاهرة، أصبح التعليم الإسلامي والعصري معًا يكوِّن قاعدةً حضارية.
اليوم، تُحاوِل كثيرٌ من الدول العربية المزج بين التعليم العصري والتربية القيمية. فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، طوّرت مناهجها لتواكب التطور العلمي مع الحفاظ على الهوية الإسلامية. وهذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة من أعقد التحديات التي تواجه التربية عندنا.
٣- الدِّين في الحياة اليومية
لا يخفى أن الدين الإسلامي يُشَكِّل جوهر الحياة العربية. فالصلاة في المساجد لا تقتصر على العبادة، بل تُمثِّل أيضًا لقاءً اجتماعيًا يُقَوِّي روابط الأخوة.
في شهر رمضان، مثلاً، يتحوّل الدين إلى ممارسة جماعية تُؤثِّر في الاقتصاد (زيادة الإنفاق على المواد الغذائية)، وفي الأسرة (تجمُّع الجميع على مائدة الإفطار)، بل وفي السياسة أيضًا (خطابات تُذكِّر بالمسؤولية والأمانة).
وهذا يوضِّح أن الدِّين عندنا ليس جانبًا معزولاً عن المجتمع، بل هو مؤسَّسة فاعلة في الاقتصاد والسياسة والثقافة.
٤- الاقتصاد والسِّياسة في الواقع العربي
الاقتصاد في دولنا العربية كثيرًا ما يَتَأَثَّر بالسِّياسة. فَالدُّوَل الغنيَّة بالنفط – كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة – استثمرت عوائدها في التعليم والبنية التحتية، فأصبحت قادرة على لعب دور إقليمي ودولي.
وفي المقابل، نجد دولاً أخرى مثل مصر أو المغرب تعتمد على تنويع اقتصادها من خلال الزراعة والسياحة والصناعة.
أمَّا السياسة، فهي عامل حاسم في استقرار المؤسسات الأخرى. فحينما يسود الاستقرار السياسي، كما هو الحال في سلطنة عُمان، تنمو بقية المؤسسات الاجتماعية بسلاسة. لكن في حال الاضطرابات، كما شهدت بعض بلدان "الرَّبِيع العربي"، ينعكس ذلك مباشرةً على الاقتصاد والتعليم وحتى على تماسك الأسرة.
خلاصة الفصل
يتضح لنا أن المؤسسات الاجتماعية – الأُسْرَة، التربية والتعليم، الدِّين، الاقتصاد والسياسة – تُشَكِّل شبكة مترابطة. فإذا اختلَّت مؤسسة واحدة تأثرت الأخرى. وهذا الترابط هو ما يجعل دراسة علم الاجتماع في السياق العربي والإسلامي أكثر ثراءً، لأنه يُظهِر كيف تتشابك الأصالة مع التحديات المعاصرة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات

    الاسمبريد إلكترونيرسالة