العِلمُ يَبني والجَهلُ يَهدِم
العلمُ هو النور الذي يهدي الأمم في طريقها، وهو السلاح الذي يحميها من التخلف والانهيار، وهو الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات وتُشيَّد به صروح المجد والعزة. أما الجهل، فهو الظلام الدامس الذي يُعطّل العقول، ويُفرّق الجماعات، ويقود إلى الانحطاط والخراب.
ولذلك قال العلماء: العلم حياةٌ، والجهلُ موتٌ.
أولاً: مكانة العلم في الإسلام
لقد عظّم الإسلام شأن العلم، فقال الله تعالى:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:9].
وقال سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11].
بل إن أول آية نزلت على النبي ﷺ كانت: ﴿اقْرَأْ﴾، دلالةً على أنّ النهضة تبدأ من المعرفة والعلم.
ثانياً: كيف يبني العلم الأمم؟
العلم يبني الإنسان قبل أن يبني العمران؛ فهو يُنمّي العقول، ويهذب الأخلاق، ويقوي الاقتصاد، ويجعل للأمة مكانة بين الأمم. الحضارة الإسلامية مثال واضح، فقد نشأت مدارس وجامعات في بغداد وقرطبة والقيروان، وكانت منارات علم للعالم كله، حيث أخذ الأوروبيون من علوم المسلمين في الطب والفلك والرياضيات والفلسفة.
قصة من التاريخ:
حينما أسّس الخليفة المأمون بيت الحكمة في بغداد، وجعل فيه العلماء والمترجمين، تحولت بغداد إلى عاصمة للعلم والمعرفة. وكان هذا المشروع العلمي سبباً في تطور الطب والهندسة والرياضيات، حتى أن أوروبا اعتمدت على هذه الترجمات في نهضتها لاحقاً.
ثالثاً: كيف يهدم الجهل الأمم؟
الجهل سبب مباشر في ضياع الحضارات؛ لأنه يُطفئ نور العقل ويُحيي العصبية العمياء، ويُولّد التعصب والفوضى. الجاهل عدو نفسه وعدو غيره، لا يعرف قيمة الوقت ولا قيمة الإنسان، فيكون وبالاً على مجتمعه.
قصة معبّرة:
يُروى أن مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، سقطت حين غلب الجهل والترف على أهلها، وتفرقوا شيعاً وأحزاباً، فانشغلوا بالجدال والصراعات الداخلية، بينما كان العدو يتقدم. ولو تمسّكوا بالعلم ووحدة الصف لكان لهم شأن آخر.
رابعاً: قصص ملهمة من الأفراد
قصة الإمام البخاري: كان يتيماً صغيراً، لكن أمه دفعته إلى طلب العلم، فصار إماماً في الحديث، وجمع أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. لقد بنى العلم اسمه وخلّد أثره.
قصة توماس أديسون: مخترع المصباح الكهربائي، واجه آلاف المحاولات الفاشلة، لكنه بعلمه وصبره منح البشرية نوراً يبدّد ظلام الليل. ولو استسلم للجهل واليأس لما أنارت الدنيا بالكهرباء.
خامساً: واجبنا اليوم
في عصرنا، تتسابق الأمم في ميادين العلوم والتكنولوجيا. ومن ترك العلم تأخر، ومن تهاون به أصبح عالة على غيره. فالجهل يورّث الفقر والبطالة، أما العلم فيفتح أبواب الرزق والابتكار.
خاتمة
إنّ العلم يبني الأمم كما يبني الإنسان، يرفع قيمته في الدنيا ويزيد أجره في الآخرة، بينما الجهل يهدم كل شيء، فيضيع الأوطان ويُفني الحضارات. فلنحرص على طلب العلم، ونورث أبناءنا المعرفة، ليظلوا حصوناً راسخة أمام رياح الجهل والظلام.
قال الشاعر:
العلمُ يبني بيوتاً لا عِمادَ لها *** والجهلُ يَهدمُ بيتَ العِزِّ والكَرَمِ