JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Startseite

ما فعله يزيد بن معاوية يوم الحرة بالمدينة

خط المقالة

 ما فعله يزيد بن معاوية يوم الحرة بالمدينة



مقدمة:
تُعدّ واقعة الحَرّة من أكثر الأحداث دموية وإثارةً للجدل في التاريخ الإسلامي، وقد وقعت سنة 63 هـ/683 م، في عهد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، حين أرسل جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة المري إلى المدينة المنورة، فاجتاحها وسفك فيها الدماء، وهتك الحرمات، وأوقع بأهلها نكبة لم تُنسَ في ذاكرة المسلمين. فماذا حدث بالضبط؟ وما هو موقف العلماء من هذه الواقعة؟ وهل يتحمّل يزيد المسؤولية؟
خلفية سياسية قبل الواقعة:
بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة 60 هـ، تولّى يزيد ابنه الحكم، رغم المعارضة الواسعة لهذا الانتقال الوراثي للسلطة، حيث رفضت عدة شخصيات بارزة، من بينهم:
الحسين بن علي (رضي الله عنهما)،
عبد الله بن الزبير،
عبد الله بن عمر،
عبد الرحمن بن أبي بكر.
كان أهل المدينة من أكثر من أظهر الاستياء من يزيد بسبب ما نقلوه عن فسقه وشربه الخمر وعدم التزامه بالدين، فقرروا خلع بيعته وطرد واليه على المدينة، عثمان بن محمد بن أبي سفيان.
بداية الفتنة: خلع بيعة يزيد
عقد أهل المدينة اجتماعًا في مسجد رسول الله ﷺ، واتفقوا على خلع يزيد، وقالوا إنه لا يصلح خليفة للمسلمين. وقد نقل المؤرخون أن وفدًا من أهل المدينة كان قد ذهب إلى الشام سابقًا، فلما رأوا ما فيه يزيد من اللهو والشراب والمجون، رجعوا مستنكرين، محذرين الناس من بيعته.
يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (8/221):
"وقد خرج وفد من أهل المدينة إلى يزيد، فلما رجعوا حدّثوا الناس بما رأوا، فعظم ذلك عليهم وخلعوه".
تجهيز جيش الشام وبدء الكارثة
عندما بلغ يزيد نبأ خلع بيعته وطرد والي المدينة، استشاط غضبًا وأرسل جيشًا من الشام بقيادة مسلم بن عقبة، وأمره أن يعرض على أهل المدينة الرجوع للبيعة، فإن رفضوا فليقاتلهم.
وكان هذا الجيش يُقدّر بنحو 12 ألفًا، وقاد معركة شرسة ضد أهل المدينة عُرفت باسم وقعة الحَرّة، نسبة إلى المكان الذي حصلت فيه (حرّة واقم، شرق المدينة).
مجزرة المدينة: أحداث يوم الحَرّة
دخل جيش يزيد المدينة بعد معركة غير متكافئة، فدمرها وانتهك حرمتها:
1. القتل الجماعي:
ذُكر أن الآلاف من أهل المدينة قُتلوا، ومنهم الصحابة وأبناء الصحابة، والقرّاء والعُبّاد.
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/37):
"استُبيحت المدينة ثلاثة أيام، وقُتل فيها خلق من الصحابة ومن سادات التابعين، وجاوزوا في القتل الحد".
2. انتهاك الأعراض:
من أبشع ما وقع يوم الحَرّة اغتصاب النساء، حتى قيل إن ألف امرأة حملت سفاحًا من جند الشام.
قال القرطبي في تفسيره (1/309):
"استُبيحت المدينة، وفُعل بنسائها ما لا يليق، حتى ولدت ألف امرأة بلا زوج".
3. نهب الأموال:
استباح الجيش المدينة ونهب الأموال من بيوت الصحابة والمساجد، حتى المسجد النبوي لم يسلم.
يقول ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" (4/116):
"دخلوا المدينة فقتلوا ونهبوا واغتصبوا النساء، حتى انتهكوا المسجد النبوي".
أقوال العلماء والمؤرخين في يزيد وواقعة الحَرّة
1. ابن كثير:
رغم أن ابن كثير كان معتدلًا في موقفه من يزيد، إلا أنه قال في "البداية والنهاية" (8/242):
"فما رُئي يومٌ أشنع من يوم الحَرّة، قتل فيه خلقٌ من الناس لا يعلم عددهم إلا الله".
2. الذهبي:
قال في "سير أعلام النبلاء" (4/37):
"وكان مسلم بن عقبة المريّ، لعنه الله، من كبار المجرمين في الإسلام. أما يزيد، فكان فاسقًا ظالمًا، وما فعله في المدينة منكر عظيم".
3. الإمام السيوطي:
قال في "تاريخ الخلفاء" (ص 208):
"يزيد أول من أوقع الفاحشة في المدينة، وأباحها لجيشه ثلاثة أيام، فقتلوا واغتصبوا وسرقوا، ولم يسلم من شرهم أحد".
4. الإمام أحمد بن حنبل:
قال في رواية ابنه عبد الله:
"وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟"
وهو من أشدّ من ذمّه من أئمة أهل السنة، بسبب أفعاله هذه.
هل يتحمّل يزيد المسؤولية؟
اختلف العلماء حول ذلك:
الفريق الأول يرى أن يزيد مسؤولٌ مسؤولية مباشرة لأنه أمر بالقتال، وعيّن القائد مسلم بن عقبة، ولم يردعه عن المجازر بعد علمه بها.
الفريق الثاني يرى أنه يتحمّل الإثم لتركه الأمور دون حساب بعد الواقعة، أو لسكوته، وهو على كل حال فاسقٌ بفعله.
لكن غالب العلماء من أهل السنة والجماعة لا يرضون عن يزيد، وإن توقف بعضهم عن لعنه صراحة التزامًا بالأدب الشرعي.
قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (4/558):
"ولا كان يزيد من الصحابة، ولا من أولياء الله الصالحين، وقد جرت على يده فتن عظيمة... ولكن لا نُكفّره ولا نُحبّه".
خاتمة:
إنّ واقعة الحَرّة تمثل جرحًا غائرًا في تاريخ المسلمين، لما جرى فيها من سفك دماء وانتهاك حرمات مدينة النبي ﷺ. وقد دانها جمهور العلماء، واتّفقوا على شناعة ما وقع فيها، واعتبروا أن يزيد بن معاوية يتحمّل وزرها الكبير، سواء بالأمر المباشر أو بالتقصير عن ردع القائد الذي فجر فيها فسادًا.
وقد بقيت هذه الحادثة وصمة عار في صفحات التاريخ الأموي، ومصدرًا لتأمل العلماء والمفكرين في خطورة الظلم والطغيان واستباحة الدماء باسم السلطة.
المصادر والمراجع:
ابن كثير، البداية والنهاية.
الذهبي، سير أعلام النبلاء.
ابن الأثير، الكامل في التاريخ.
الطبري، تاريخ الأمم والملوك.
السيوطي، تاريخ الخلفاء.
ابن تيمية، منهاج السنة النبوية.
القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
Kommentare
Keine Kommentare

    NameE-MailNachricht